الاثنين، 8 أبريل 2013

شاب يسأل لماذا يكرهني ابي


شاب يسأل لماذا يكرهني ابي
شاب يسأل لماذا يكرهني ابي
شاب يسأل لماذا يكرهني ابي
شاب يسأل لماذا يكرهني ابي
شاب يسأل لماذا يكرهني ابي
شاب يسأل لماذا يكرهني ابي

السؤال

مشكلتي بدأت بعد ولادتي بسنة، فقد حصل طلاق أو انفصال إن صح التعبير بين أبي وأمي، ومنذ وقتها وإلى الآن وأنا على مشارف الخامسة والعشرين من عمري، وقد تخرجت هذه السنة من الجامعة، وكنت أعقد على هذا التخرج أن يحل بعض مشاكلي لكنني مع الأسف كنت واهما منذ صغري، وأنا لم تكن تربطني بأبي تلك العلاقة التي تفترض أن تكون بين الأب وابنه، وعلى الرغم من تشجيع والدتي لي للتواصل مع أبي، ومحاولة تقريب المسافات بيني وبينه إلا أنها باءت بالفشل؛ بسبب الجفاء الذي كنت أراه من والدي، مع العلم أنني لم أقطع الوصال بيني وبينه، بل إنني أزوره رغم ما ألاقيه من الجفاء وعدم الاكتراث.. أرشدوني ماذا أفعل؟



الجواب


الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإني أسأل قيوم السموات والأرض، بديع السموات والأرض، أن يجزيك عما لاقيت في حياتك، وأن يسعدك في الدنيا والآخرة، ويؤلف بينك وبين والديك على الخير، ويرزقك الزوجة والذرية الصالحة، اللهم آمين.
ثم إني أهنئك على جَلَدك وصبرك ومثابرتك، وأهنئك على تخرجك من الجامعة، وآمل أن أهنئك قريباً على زواجك، وأهنئك أيضاً بالفوز العظيم لجنات رب العالمين.
وهنا أعرض لك ثلاث نقاط:
الأولى:
أعد رسم حياتك من جديد، انزع عنها ما فيها من صور قاتمة، صحيح أنها ليست الحياة الهانئة السعيدة مع والديك، وليست الحياة التي تنشد، إلا أنها الحياة الدنيوية التي لم تكن يوماً صافية لأحد، يقول مولانا الرحيم: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ".
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا
صَفْوًا من الأقذار وَالْأَكْدَارِ
وَمُكَلِّفُ الْأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا
مُتَطَلِّبٌ في الْمَاءِ جذوة نَارِ
إن المصائب والحرمان الذي وجدته في حياتك ، هي مطيتك لنيل درجات عَلِيَّة في جنات رب العالمين، "مَا يُصِيب الْمُؤْمِن مِنْ وَصَب وَلَا نَصَب ، وَلَا سَقَم وَلَا حَزَن، حَتَّى الْهَمّ يُهِمّهُ ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّه بِهِ مِنْ سَيِّئَاته" رواه مسلم، أرأيت! ليست المصائب فقط، بل حتى الهموم سبيل لتكفير السيئات والارتقاء عند مولانا في الدرجات.
ثم إنه (يبتلى المرء على قدر دينه) (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فإن كان في دين المرء شدة زيد له في البلاء، والمؤمن يواجه البلاء بالإيمان والصبر والرضا بقضاء الله سبحانه، يقول الله تعالى: "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة:156-157]. ثم هنيئاً لك الصبر مع الإيمان والطاعة "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [الزمر:10].
ثم إنك متى أشعرت نفسك أنك بخير، وأن الأزمة التي مررت بها إنما هي سحابة صيف، وأن غيرك الكثير مروا بمثل أزمتك أو أشد، ثم فرج الله تعالى عنهم بالصبر والدعاء والعلاج، ستجد نفسك بخير ورضى وسعادة بإذن الله.
الثانية:
نعم.. لم تجد من والدك ما كنت تنشد، لم تجد الرعاية الحميمية، لم تجد التوجيه السديد، لم تجد الحب بين والديك، صحيح هذا!! مراحل عمرك انقضت واحدة تلو الأخرى حتى وصلت إلى مرحلة الرشد، مرحلة الاعتماد على النفس، مرحلة العطاء، وأرجو أن تكون استفدت مما مضى، وأرجو أن تعمل جهدك ألا تجد ذريتك ما وجدت، ومع ذلك كله، لتطوي صفحة الماضي بما حواه، ولتنظر إلى الجزء المملوء من الكأس.
انظر إلى صورة والدك من زاوية أخرى، إنه:
نافذتك إلى جنَّة عرضها السموات والأرض، وبوابتك إلى مرضاة الله تعالى.
وهو سبب لإجابة دعائك، كما في قصة أصحاب الغار في صحيح مسلم.
وهو سبب لمرضاة الله ، روى الإمام الترمذي رحمه الله وصحَّحه: (رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين).
وهو سبب لتكفير السيئات ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ لَا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: فَبِرَّهَا" صحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
وهو سبب للبركة وزيادة الرزق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواه البخاري.
وهو ضرب من ضروب الجهاد، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله" صححه الألباني رحمه الله.
الثالثة:
والدك هو تاج رأسك، وسرُّ نجاحك، وعلامة فلاحك وسعادتك، ابذل له بلا حدود، تَقَرَّب إلى الله بِبِرِّه، استجلب رحمة الله ومرضاته برضاه عنك، (الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه) (رواه ابن ماجة، وصححه الألباني رحمه الله).
اغفر ما مضى، واحتسبه لله تعالى، بل هو رد لجزء من فضل والدك عليك، تذلل له، وأطعه بالمعروف فيما يأمرك به، ولا تتراخى فيما يطلبه منك، "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" [الإسراء:23].
اجعل من عام تخرجك عام الوفاء، عام الوئام، خذ قراراً بمد جسور التواصل مع والدك، وتحمل ما قد يصدر منه، أشبعه حباً وتقديراً، فإنه علامة خير وصلاح، واستقرار وفلاح، وبركة ونجاح، فما كان البر بالوالدين في بيت إلا كانت مرضاة الله وفضله ونعمائه محيطة بأهله.
وفقك الله لهداه، وجعل عملك في رضاه، وأسعدك في الدنيا والآخرة، وفي انتظار طمأنتنا عن أخبارك، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق